إن أي عقيدةٍ دينية سماوية أو وضعية و مهما كان أسمها أو مصدرها , قديمها أو حديثها ,لا تخلو من مفهوم خاص عن مخلوقات غيبية تُدعى بالأرواح (الأشباح) التي يمكن أن تصيب الإنسان بالسوء أو تسبب له الشر أو تمنحه الخير ،أثناء حياته و حتى بعد مماته , و لا تخلو أي عبادة في تفسيرها للخلق و التكوين من وجود هذا المفهوم ،الذي برز عبر التأريخ الطويل لمسيرة الإنسان الإعتقادية بكل أشكالها و مراحلها، كفكرة لا بد من تواجدها في صلب إعتقاده و إيمانه , بل و أصبحت ضرورة لايمكن الإستغناء عنها و ذلك لفهم أفضل للوجود البشري و محاولة للتفسير و للإجابة عن العديد من الأسئلة و الإشكاليات التي واجهت بني البشر عبر تاريخهم الطويل على الأرض، و كانت فكرة الإعتقاد بوجود تلك المخلوقات بالنسبة للإنسان القديم في البداية تتلخص بأن هناك مخلوقات دعيت بـ (الارواح) ليس لها كيان أو أسم معين أو شكل كائن محدد أو معروف, قد أصبحت جزءا لا يتجزأ من عملية الإيمان نفسها، على اعتبار أن الخير و الشر هما النقيضان المتعارضان على الدوام في كل المعتقدات الدينية ، فالخير سواء كمنفعة شخصية كما كان يفهم أولاً أو كمفهوم أخلاقي شامل ثانيا, كان محور سعي الأنسان و عكسه الشر بكل معانية الذي كان يمثل الخوف و الفزع للإنسان ،وعلى هذا الأساس كان تقسيم الإنسان القديم للأرواح و الأطياف إلى طيب و خبيث، و ذلك حسب نفعها أو مضرتها و بالتالي كان يحتاج إلى الكاهن الساحر ليروض له الخبيث بالرقي و التعاويذ و يجزي عنه الطيب بالدعوات و القرابين0
و قد أطلق القدماء من السومريين على روح الميت لفظة (گيدم) و دعاها (الاكيين) بـ (إطيمو) ،و هذا ما أكدته الكتابات القديمة خاصة المسمارية منها، على إن معظم الشعوب القديمة كانت على معرفة بمسألة علاقة الروح بالجسد،و لكن تلك الكتابات تناولتها بشيء من التفصيل مثل بعث الروح و ثوابها و عقابها، فضلا عن سبقها التاريخي، أذ ساد عند سكان العراق القديم مفهوم أعتقادي مفاده إن روح المتوفي تغادر جسدها بعد موت الإنسان،لتحصل على حياة جديدة،و تكون تلك الحياة إما سعيدة أو تعيسة، بموجب ما خلفه صاحبها في حياته الأولى،أو وفق ما حصل عليه المتوفي من طقوس دفن جنائزية و ما قُدم له من قرابين من ذويه،و بالرغم من كل هذا فإن تحديد مصير روح الميت كان أيضا يخضع لمحاكمة خاصة في محكمة أرواح الموتى في العالم الآخر (العالم الأسفل).
لذا فقد أهتم سكان بلاد الرافدين من السومريين والاكديين برعاية أرواح الموتى فغالبا ما أوردوها في مأثرهم و أساطيرهم، فقد ذكراللوح الحادي عشر من ملحمة كلكامش ، إن بعض أرواح الموتى تنال الراحة في عالم الاموات كونها قد تركت مآثر صالحة و ذرية طيبة خاصة من الذكور و أقرباء آخرين واظبوا على تقديم قرابين دفن الميت.
وقد تصور سكان بلاد الرافدين أن للعالم الاسفل نظاما خاصا به يتضمن قواعد وقوانين يجب على الداخل له أن يلتزم بها و يتضح هذا من خلال بعض النصائح التي يقدمها الكهنة و التي نقرأ فيها :((أنت ستهبط الى العالم الاسفل، أتركني أنصحك،أنتبه لكلماتي ،دعني أتكلم معك،أنت يجب أن لاتترك ملابسك نظيفة،يجب أن لاتدهن نفسك بالنفط،من الأناء،هم يحيطونك برائحة،أنت يجب أن لا تقذف الاعواد في العالم الاسفل،أولئك يضربون بالاعواد في العالم الاسفل،أنت يجب أن لا تحمل عود خشب في يدك،الارواح تشعر بالاهانة من قبلك،أنت يجب أن لا تنتعل النعال في قدميك،أنت يجب ان لا تصيح في العالم الاسفل،أنت يجب أن لا تقبل زوجتك المحبوبة،أنت يجب أن لا تضرب زوجتك حتى اذا كنت على خلاف معها ،أنت يجب ان لا تقبل طفلك المحبوب،أنت يجب ان لا تضرب طفلك حتى اذا كنت منزعج منه)) و نتيجة لألتزام الافراد بتلك الوصايا، نجدهم يحاولون دائما تجنيب ارواحهم معاناة ذلك العالم بشتى الوسائل و من أهمها هو التقرب من آلهة العالم الاسفل بتقديم النذور و الهدايا
بقلم
الدكتور حسين عليوي